/ الْفَائِدَةُ : (14) /
21/03/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / مُصْطَلَح: (المُحدِّثين) / مرادنا من مُصطلح: (المُحدِّثين) ليس ما ذهب إِليه كثير من الفقهاء والأُصوليّين من أَنَّ المراد به: (أَصحاب المنهج الأَخَبَاري الحَرْفِي الحشويّ القشريّ)؛ فإِنَّها نظرة ليست بالصَّائِبَة، وإِنَّما المراد منه: (مَنْ يحترف منظومة الحديث بمعانيها، وَأَصحاب(1) منهج الأَخبار التَّحقيقي الْعِلْمِيّ ؛ الَّذين ينتهجون ـ ضمن الموازين والضَّوابط الْعِلْمِيَّة ـ البيانات الصِّنَاعيَّة الْعِلْمِيَّة المُوْدَعَة في سُنَّة المعصوم عليه السلام). إِذَنْ: المنهج الحشوي القشري الجمودي علىٰ أَلفاظ النَّصِّ ليس من لوازم المنهج الأَخَبَاري، بل ولا الدِّقَّة ودراسة المتن والمضمون ملازمة لِـمَنْ يَتَشَبَّث بِانْتِسَابِه للمنهج الأُصولي؛ فكثيرٌ يتمدرع ظاهراً بالمنهج الأُصولي، لكنَّه لَـمَّا لم يتَّصف بالدِّقَّة والتَّحقيق كان حشوياً ـ واقعاً ـ قشرياً جموديّاً، مذموماً في بيانات الوحي الوافرة. وعليه: فالمنهج الأَخَبَاري الَّذي تحاربه بيانات الوحي ويحاربه الأُصوليُّون ذلك المنهج المُعْتَمِد علىٰ حُجِّيَّة الصُّدور حسب، بخلاف المنهج المُعْتَمِد علىٰ دراسة المتن والمضمون بموازين ضوابط وأُصول وقواعد مُحْكَمَات الدِّين؛ فإِنَّه وإِنْ سُمِّي ظاهراً منهج أَخْبَارِيّ، لكنَّ واقع حاله منهج أُصوليّ مدحته بيانات الوحي الوافرة الباهرة، فيُلاحِظ متن الدَّليل ويدرسه بموازين القرائن وأُصول: (الكتاب) و(السُّنَّة) القطعيَّين، وأُصول: (العقل) و(الوجدان) البديهيِّين. بعد الِالتفات: أَنَّ البرهان القطعي لا يعتمد علىٰ جهة الصُّدور والسَّند، بل علىٰ جهة المتن والمضمون. فانظر: بيانات الوحي المادحة للمنهج التَّحقيقي الأُصولي، والذامَّة للمنهج الحشوي، منها: 1ـ بيان أَمير المؤمنين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «اعقلوا الخبر إِذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية؛ فإِنَّ رواة الْعِلْم كثير، ورعاته قليل»(2). 2ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً: «همَّة السُّفهاء الرُّواية، وهمَّة العلماء الدِّراية»(3). 3ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً: «عليكم بالدِّرايات لا بالرُّوايات»(4). ٤- بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً: «... وترككَ حديثاً لم تروه خير من روايتكَ حديثاً لم تحصه، إِنَّ علىٰ كلِّ حقٍّ حقيقةً، وعلىٰ کُلِّ صوابٍ نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوا به، وما خالف كتاب الله فدعوه»(5). 5ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً: «... وإِنَّ الكلمة من آل مُحمَّد تنصرف إِلى سبعين وجهاً ...»(6). 6ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «... والعلماء تحزنهم الدِّراية، والجهال تحزنهم الرُّواية»(7). 7ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً: «حديث تدريه خيرٌ مِنْ أَلف ترويه، ولا يكون الرَّجُل منكم فقيهاً حتَّى يعرف معاريض كلامنا، وإِنَّ الكلمة من كلامنا لتنصرف علىٰ سبعين وجهاً، لنا من جميعها المخرج»(8). 8ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً: «أَنتم أَفقه النَّاس إِذا عرفتم معاني كلامنا، إِنَّ الكلمة لتنصرف علىٰ وجوه، فلو شاء إِنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب»(9). 9ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً: «إِنِّي لأَتكلَّم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجهاً، إِنْ شئتُ أَخذتُ كذا، وإِنْ شئتُ أَخذتُ كذا»(10). 10ـ بيان الإِمام الباقر مخاطباً الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما : «يابنيّ، اعرف منازل الشيعة علىٰ قدر روايتهم ومعرفتهم، فإِنَّ المعرفة هي الدِّراية للرُّواية، وبالدِّرايات للرُّوايات يَعْلُو المؤمن إِلى أَقصىٰ درجات الإِيمان، إِنِّي نظرتُ في كتابٍ لعلِيٍّ عليه السلام فوجدتُ في الكتاب: أَنَّ قیمة كُلّ امرئ وقدره معرفته، إِنَّ الله تبارك وتعالىٰ يحاسب النَّاس علىٰ قدر ما آتاهم من العقول في دار الدُّنيا»(11). ودلالة الجميع واضحة. 11ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً: «إِذا حدَّثْتكم بشيءٍ فاسألوني عنه عن كتاب الله»(12). بتقريب: إِنَّه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَراد تنبيه أَصحابه علىٰ أَنْ لا يعتمدوا علىٰ جهة الصُّدور والنقل، وإِنَّما يعتمدوا علىٰ جهة المتن والمضمون، فإِنَّ كلام المعصوم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَحْي إِلٰهيّ مُنْزَل، لكن تَلَقِّي الرَّاوي ـ وإِنْ كان ورعاً صدوقاً ـ ليس بوَحْي ، بل نقل يُحْتَمَل فيه الخطأ والاِشتباه، نعم تلقِّي المعصوم عن المعصوم وَحْي إِلٰهيّ معصوم ومصون عن الخطأ والاِشتباه، فكلام سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله وَحْي إِلٰهيّ، لكن تَلَقِّيه مِنْ قِبَلِ الصحابة ـ وإِنْ كانوا ثِقَات عدول ـ ليس بوَحْي ، بل نقل في عُرْضَةِ الاِشتباه والخطأ، بخلاف تلقِّي أَمير المؤمنين وسائر أَهْلُ الْبَيْتِ الأَطهار صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عنه صلى الله عليه واله ؛ فإنّه وَحْي إِلٰهيّ معصوم من الخطأ والِاشتباه. فالتفت. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي الأُخرىٰ، منها: بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً، عن أَبان بن أَبي عياش، قال: «... ورُبَما رأَيتَ الرَّجُل يُذكر بالخير، ولعلَّه يكون ورعاً صدوقاً يُحدِّث بأَحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض قد مضىٰ من الولاة، لم يخلق الله منها شيئاً قَطُّ، وهو يحسب أَنَّها حَقٌّ لكثرة مَنْ سمعها منه مِمَّنْ لا يعرف بكذب ولا بقلَّة ورع، ويروون عن عَلِيٍّ عليه السلام أَشياء قبيحة، وعن الحسن والحسين عليهما السلام ما يعلم الله أَنَّهم رووا ذلك الباطل والكذب والزُّور. قلتُ له: أَصلحك الله، سمّ لي من ذلك شيئاً، قال: روايتهم: عمر سيِّد كهول الجنَّة، وإِنَّ عمر مُحَدَّث، وَإِنَّ المَلَكَ يُلقِّنه، وإِنَّ السَّكِيْنَة تنطق علىٰ لسانه، وعثمان الملائكة تستحي منه ... حتَّى عدَّدَ أَبو جعفر عليه السلام أَكثر من مائتي رواية، يحسبون أَنَّها حقٌّ...»(13). ودلالته واضحة علىٰ أَنَّ تلقِّي الرَّاوي ـ وإِنْ كان ثِقَةً ووَرِعاً وَصَدُوْقاً ـ غير معصومٍ، بخلاف تلقِّي المعصوم ـ كالإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ؛ فِإنَّه معصومٌ عن الِاشتباه والخطأ، وَمِنْ ثَمَّ مَيَّز صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في المقام ـ من خلال المتن والمضمون ـ بيانات الوحي عن غيرها. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) العطف في المقام عطف تفسيريّ للعبارة السَّابقة. (2) بحار الأَنوار، 2: 161/ح21. (3) المصدر نفسه: 160/ح13. (4) بحار الأَنوار، 2: 160/ ح12. (5) المصدر نفسه: 165/ح25. (6) المصدر نفسه، 25: 173/ح38. (7) المصدر نفسه، 2: 161/ح14. (8) بحار الأَنوار، 2: 184/ح5. (9) المصدر نفسه/ح3. (10) المصدر نفسه: 198/ح51. (11) المصدر نفسه: 184/ح4. (12) المصدر نفسه، 89: 91/ح36. المحاسن: 269. (13) بحار الأَنوار، 27: 211ـ 214/ح15. كتاب: (سليم بن قيس): 87 ـ90